تفسير آيات الأحكام من سورة النور
حد القذف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين؛ نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
قول الله تعالى: رسم> والَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا قرآن> رسم> في الآية الرمي أطلق في هذه الآية: رسم> وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ قرآن> رسم> ولم يذكر المرمي به، ولكن السياق يدل على أن الرمي يكون بالزنا؛ أي: الذين يرمون المحصنات بالزنا. ويعبر عنه أيضا بالقذف؛ أي يقذفونهن، ويتهمونهن بالزنا. ولا بد في القاذف أو الرامي أن يصرح بأن يقول: إن فلانة قد زنت، أو يدعوها بقوله: هذه الزانية، أو يا زانية، أو زنيت، أو زنا فرجك.
ويكون بذلك قد صرح بما قذف به من هذا الإفك، أو من هذه الفاحشة؛ يرمونهن بالفاحشة. وسمي رميا؛ لأن الرمي هو الذي يقتل المرمي أو يصيبه فيعوقه، وأصل الرمي: الرمي بالسلاح أو بالشيء الذي يؤثر في المرمي؛ لقول الله تعالى:
رسم> وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى قرآن> رسم> ويسمى تعلم الأسلحة رميا ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا متن_ح> رسم> وقوله في تفسير قوله تعالى: رسم> وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ قرآن> رسم> رسم> ألا إن القوة الرمي متن_ح> رسم> .
ولكن هاهنا أطلق الرمي على القذف؛ على التهمة بأن يرمي أي: يتهم ويقذف فلانة بأنها قد زنت. فيشترط:
أولا: التصريح؛ بأن يقول: زانية أو زنت أو وطئت أو وطئها غير زوجها وغير سيدها، أو يعبر بالعبارات الواضحة في القذف .
والشرط الثاني: أن تكون من المحصنات: رسم> إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ قرآن> رسم> وفي الآية الآتية: رسم> إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قرآن> رسم> ؛ فاشترط أن يكن محصنات؛ المحصنة هاهنا: هي العفيفة؛ قال تعالى : رسم> وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا قرآن> رسم> ؛ أي: حفظت نفسها. فالمحصنات هن العفيفات الحافظات لأنفسهن؛ لقوله تعالى : رسم> فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ قرآن> رسم> التي تحفظ نفسها، وتحفظ فراش زوجها، وتحفظ بيت زوجها؛ فلا تتطرق إليها التهمة؛ تعرف بعفتها، وتعرف ببعدها عن الشهوات المحرمة، وعن الفواحش وعن اقتراف المحرمات.
هذان شرطان؛ فإذا اختل واحد منهما لم يجب الحد؛ فإذا لم يصرح؛ إذا قال: فلانة متهمة، أو ليست عفيفة، أو هذه ليست ببريئة، أو أنا أتهمها بالزنا، أنا أظن، أنا أقدر أنها كذا وكذا، رأيتها تركب مع الأجانب، رأيتها تؤوي أو تدخل في دارها من ليس بعفيف أو من هو متهم .
فهذه ليست تصريحات؛ إنما هي تلميح؛ فإذا كان كذلك فلا يجب الحد؛ ولكن يستحق التعزير؛ وذلك لأنه اتهمها وإن لم يجزم؛ بخلاف ما إذا جزم فإنه يجب عليه الحد والحال هذا. كذلك إذا لم تكن المرأة من المحصنات أي: من العفيفات؛ فهناك النساء اللاتي تتهم في نفسها. يعرف الناس عنها تساهلها، كثرة خروجها من بيتها، وكثرة دخول الناس عليها في بيتها؛ وكثرة سفرها بدون محرم وركوبها مع غير المحارم، وخلوتها كثيرا بالأجانب، وكذلك أيضا يعرف من كلامها أنها دائما تتكلم في العورات، وتتكلم في الفروج، وفي فعل الفواحش؛ ولو كانت مازحة، ولو كانت ضاحكة، أو تذكر دائما أنه ما يفعل بها، ولو قالت تنسب ذلك إلى زوجها أمام الناس: .. من زوجي ، وأنه فعل معي، فإنه .. مما يثير التهمة نحوها؛ ذكرها لهذا دائما دليل على تساهلها. فهل تسمى هذه محصنة؟. لا تسمى؛ بل متهمة. فإن الإحصان هو التعفف: رسم> مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ قرآن> رسم> هكذا شرط الله. رسم> وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ قرآن> رسم> رسم> مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ قرآن> رسم> السفاح: هو الزنا ؛ أي: أحصن أنفسهن. فالتي ليست محصنة، أي: تلحقها التهمة، ويظهر عدم براءتها، ويظهر أو تقوى التهمة نحوها؛ فهذه لا تدخل في الآية.
بلا شك أن هذا الرمي إذا كانت محصنة، ورماها بتلك الفاحشة؛ فإنه يلحقها عار ويلحقها شنار، وتستاء لذلك، ويحزنها أن تتهم في نفسها؛ وأن تتهم في عرضها؛ فيكون في ذلك ظلم لها، وفي ذلك ضرر عليها، ونشر سمعة لها؛ سمعة سيئة. فلا جرم كان من آثار ذلك: أنها ينتقم لها، ويؤخذ بحقها، ويقام الحد على من قذفها.
مسألة>